تكمله
الجزء الاول
.
.
.
.......
ومع الإزدياد الحاد في عدد المسلمين واستيطانهم في مختلف الأماكن أنشأت حكومة مينغ "
مركز (Hadi (أبناء هوي للإشراف على الشؤون الدينية" ليكون مسؤوال عن القضاء. أما (Hadi(
فهي اللفظة المقابلة لكلمة "قاضي" في اللغة العربية. وبالإضافة إلى ذلك، كان في الحكومة
المركزية والحكومات المحلية أجهزة خاصة وموظفون متفرغون للعناية بشؤون المسلمين مثل "ديوان
شؤون المسلمين" و"إدارة شؤون المسلمين" و"دار محفوظات المسلمين" و"مفوض فيلق المسلمين من
القوات البحرية المنفولية" و الخ.
كما أنشئت مساجد وجوامع في مختلف الأماكن بما في ذلك المدن الواقعة في أطراف البلاد
نتيجة لهذا الإزدياد الحاد في عدد المسلمين. قال ابن بطوطة "في كل مدينة من مدن الصين حي
خاص للمسلمين ينفردون فيه بسكنهم، ولهم فيها المساجد لإقامة الجمعة وسواها"
1
. ويقول "في
بعض جهات هذه المدينة بلدة المسلمين، ولهم بها المسجد الجامع والزاوية والسوق. ولهم قاض
وشيخ. ولابد في كل بلد من بلاد الصين من شيخ الإسلام، تكون أمور المسلمين كلها راجعة إليه،
2 والقاضي يقضي بينهم"
.
إن قومية هوي باعتبارها جزءا من الأمة الصينية قد تم تكوينها في عهد أسرة مينغ الملكية،
وكانت شنشي وقانسو ونيغشيا ويوننان أهم ديارها. كما كان أبناؤها يعيشون موزعين على امتداد
شاطئ القناة الكبرى التي تمتد بين هانغتشو وتونغتشو، وفي بكين ونانجينغ وكانتون وغيرها من
المدن، وفي تشجيانغ وهونان وقوانغشي وقوانغدونغ وسيتشوان وغيرها من المقاطعات. وكونوا لهم
مشاعر قومية مشتركة، وشاركوا بني هان في اللغة حديثا وكتابة. فأصبحت اللغة الصينية تستخدم كـ اللغة المشتركة في قومية هوي، ولكن ظلت اللغة العربية اللغة الدينية بينهم.
2.2 إنشاء نظام التعليم المسجدي
مع تحسن اقتصاد مختلف القوميات التي تعتنق الإسلام وازدياد عدد نفوسها ظهر التعليم
المسجدي في الصين في أواخر عهد أسرة مينغ الملكية. وكان الذي يدعو إلى هذا التعليم هو العالم
الإسلامي المشهور في الصين خو دينغتشو)1522-1592 )الذي ينحدر من وينان في مقاطعة
شنشي. فلما رجع من الحج، عقد عزمه على إنشاء التعليم الإسلامي لإعداد الأئمه، وأشرف بنفسه
على قبول الطلبة في المسجد وتعليم القرآن الكريم. فيعتبر هو دينغتشو مؤسس التعليم المسجدي في
الصين. وكان المسلمون يمولون المسجد الذي في حيهم، ويقيمون مراسم التخرج كلما أنهت دفعة
من الطلبة دراستها. و شهد هذا التعليم المسجدي تطورا تدريجيا حتى نشأ منه نظام التعليم الإسلامي
المستقل بذاته، والذي يستخدم مواد دراسية تتسع تدريجيا وتشمل علم التوحيد وعلم الفقه والمبادئ
الأخلاقية واللغة العربية إلى جانب القرآن الكريم والحديث النبوي وما يختص بهما من التفاسير.
وانتشرت هذه طريقة التعليم من مقاطعة شانشي إلى كل المناطق المأهولة بالمسلمين. واستفاد
التعليم المسجدي الصيني من الوسائل والخبرات للتعليم المسجدي العربي، بينما شكل الخصائص
الصينية، أي نشأت المدارس داخل المساجد على حساب المسلمين المحليين، ونشأ قسمان للتعليم
قسم المدرسة الإبتدائية وقسم المعاهد. فالأطفال يدرسون في المدرسة الابتدائية اللغة العربية
الأساسية حتى يستطيعوا قراءة القرآن الكريم؛ أما في المعاهد يدرس مادتان عادة أي مادة اللغة
العربية ومادة اللغة الفارسية، وتهدف المواد إلى تدريس الكتب المقدسة بالعربية أو الفارسية.
وقد خرج التعليم المسجدي آلاف مؤلفة من الأئمة، وربى الكثير من مشاهير علماء الإسلام
مثل وانغ داي يوي)1570-1660 )وما تشو)1640-1711 )ولي تشي)1660-1730 )والخ.
وكانوا يكتبون الكتب الإسلامية بالصينية بينما يترجمون الكتب المقدسة الإسلامية العربية والفارسية
إلى الصينية. فقد ظهرت كثير من الكتب الإسلامية في الصين الأمر الذي دفع تطور الإسلام في
الصين، كما أشار إلى أن قومية هوي قد أصبحوا يستخدمون اللغة الصينية في حياتهم الدينية.
مجمل القول أن التعليم المسجدي قد لعب دورا لايستهان به في الإنتشار والتطور للإسلام والعربية
في الصين.
3 .من حركة "الرابع من مايو" وما بعد تأسس جمهورية الصين الشعبية
تأثر المسلمون الصينيون بحركة "الرابع من مايو" أي حركة الثقافة الجديدة من ناحية، ومن
ناحية أخرى تأثروا بحركة تحسين الإسلام العربي، فأصلحوا نظام التعليم المسجدي التقليدي وأنشؤوا
عددا من المدارس الحديثة التي ترمي إلى تربية أئمة وأساتذة ومترجمين يجيدون اللغة العربية والصينية كلتيهما ولم تدرس
في هذه المدارس اللغة العربية والإسلام فحسب، بل تدرس فيها
المعارف الثقافية العادية أيضا. وفي الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين أرسلت هذه المدارس
أكثر من 50 طالبا إلى جامعة الأزهر بمصر مرات عديدة، الأمر الذي يربي عددا من المثقفين الكبار
،مثل الدكتور السيد ما جيان من جامعة بكين، والدكتور السيد نا تشونغ من جامعة
الدراسات الدولية ببكين والخ. إنهم المؤسسون والرواد لإختصاص اللغة العربية في الصين، فقد لعبوا
دورا كبيرا في انتشار الثقافة العربية الإسلامية وتطوير قضايا تربية العربية في الصين وتعزيز
التبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية.
وبدأت اللغة العربية تدخل منهج تعليم اللغات الأجنبية لمؤسسات التعليم العالي في الصين
منذ الأربعينات، مثل الجامعة المركزية السابقة بنانكين التي قررت مادة العربية عام 1943 وجامعة
بكين التي قررت مادة العربية عام 1946 .ولكن كان تعليم العربية لا يجري بشكل جيد بسبب أن
الحكومة القديمة في تلك المرحلة ما اهتمت بتنمية العلاقة بين الصين والبلدان العربية.
وبعد أن تأسست جمهورية الصين الشعبية الجديدة عام 1949 ،بدأت الحكومة الصينية تهتم
بشأن تعليم العربية جدا وظلت تسعى إلى تنميته من أجل تعزيز العلاقات التعاونية الودية في
مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة الخ بين الصين والبلدان العربية. وأرسلت الصين أول فريق من
الطالب المبعوثين إلى مصر عام 1955 ،واستقبلهم رئيس مجلس الدولة تشو ان لاي وشجعهم
على دراسة العربية بجد واجتهاد، وأمر إنشاء اختصاص العربية في بعض الجامعات.
يتبع
(الجزء الاخير )