السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
هل سبق أن حدث معك أن ذهبت إلى النوم لتستيقظ بعدها و تجد نفسك واقفا في منتصف المطبخ؟ أو أن تجد أحد أفراد عائلتك يسير في أرجاء المنزل لتكتشف أنه نائم و ليس بكامل وعيه! و الأغرب انه عند ايقاظك له فإنه لن يتذكر ما كان يقوم به أو ما يدور في ذهنه.
أو حتى ربما تكون قد شاهدت فيلم أو قرأت رواية تكون فيها إحدى الشخصيات تسير في أثناء نومها، و في هذه الحالة يكون الشخص قد تعرض لاضطراب السير النومي
" Somnambulism "
السير النومي:_
يشير تعبير السير النومي " Sleepwalking " إلى حالة من اضطراب النوم يشتمل على شكل من أشكال الحركة.
لا يقتصر هذا الاضطراب على السير أثناء النوم بل يضمن كذلك نشاطات بسيطة كالأكل و الكلام و الكتابة أثناء النوم إلى نشاطات أكثر تعقيدا كقيادة سيارة مثلا، و يشمل في حالات نادرة جدا جدا على القتل أثناء النوم.
لكي نتمكن من فهم الأسباب بشكل أعمق يجب أن نتعرف اكثر على مراحل النوم عند الإنسان.
النوم عند الإنسان ينقسم إلى مرحلتين:_
1. نوم حركة العين السريعة
" Rapid eye movement " >> REM
سميت هكذا لأنه خلال هذه المرحلة تتحرك العين حركة سريعة من جانب إلى آخر تحت الجفنين المنسدلين، و يكون خلال هذه المرحلة نشاط الدماغ شبه مماثل لنشاطه في حالة اليقظة، و تكون هذه المرحلة على اتصال وثيق بالشئ الذي ندعوه " الأحلام " و كثيرا ما تسمى هذه المرحلة ( نوم الأحلام ).
2. المرحلة الثانية هي نوم انعدام حركة العين السريعة " Non Rapid eye movement "
( NRED )، و يطلق عليها كذلك اسم النوم العميق، تم تقسيم هذه المرحلة إلى أربع مراحل منفصلة مرقمة من ( 1_4 ) تزداد مرحلة النوم عمقا مع زيادة الرقم و يكون من الصعب إيقاظ الشخص عند المرحلة 3, 4.
تتعاقب المرحلتان عدة مرات في السيطرة على الدماغ، و تستمر فترة سيطرة كل مرحلة مدة 90 دقيقة، و تأتي بعدها المرحلة الأخرى و هكذا.
أسباب السير النومي:_
يظن أغلب الناس أن هذه الحوادث تحدث خلال نوم الأحلام للاعتقاد بأن الشخص الذي يسير في أثناء نومه يحاول تقليد ما يراه في الحلم، و لكن ما تم اثباته بالتجارب أن هذه الأمور تحدث في أعمق مراحل النوم العميق، و الدليل على ذلك أنه إذا أيقظت شخصا يسير في أثناء نومه و سألته عما يدور في ذهنه، فمن النادر أن يخبرك بأي شئ لعدم وجود أي سيناريو لحلم يعرض في الخلفية أو تجربة ذهنية.
حتى الآن لم يتم التوصل لفهم أعمق و كامل لسبب حدوث حالات السير النومي، الأدلة المتوفرة تشيرإلى أن إحدى العوامل المسببة لهذه الحالة هي زيادة حادة و غير متوقعة في نشاط الجهاز العصبي أثناء النوم العميق، تجبر هذه الاندفاعات الكهربائية الدماغ على الصعود سريعا من مرحلة النوم العميق إلى حالة اليقظة.
و لتقريب الصورة أكثر تخيل أن الدماغ عبارة عن مصعد متحرك، في أثناء النوم العميق يكون المصعد متوقفا عند القبو و مع زيادة الاندفاعات الكهربائية يصعد الدماغ بسرعة إلى الطابق العلوي الذي يمثل حالة اليقظة، و لكن ما يحدث هو أن المصعد يعلق في نقطة ما بين هاتين النقطتين، و عندها يصير الشخص عالقا بين عالمي النوم العميق و اليقظة، و يجد نفسه في حالة وعي مختلط لا هو مستيقظ و لا هو نائم.
و في هذه الحالة يتمكن الدماغ من القيام بالأفعال الأساسية التي يعرفها كالمشي، فتح الخزانة، شرب كوب من الماء، قول بضعة جمل أو كلمات، أو حتى قيادة سيارة.
على مر التاريخ كان الناس يخافون جدا من اضطراب السير النومي، بالنسبة لهم كانت حالة مجهولة الأسباب و حاول علماء القرنين الثاني عشر و الثالث عشر إيجاد تفسير و سبب لحدوث هذه الحالة، و أعتقد البعض أنه عند السير أثناء النوم تخرج الروح من الجسد.
احد اشهر الخرافات عن السير النومي هي أن الشخص الذي يسير في أثناء نومه يرفع يديه إلى الأمام و يتدلى و كأنه زومبي (:
في الواقع لا وجود لهذا الأمر فجميع المرضى الذين يتم إجراء دراسات عليهم يبدون طبيعيين تماما و أقرب إلى حالة اليقظة.
خرافة أخرى تداولها الناس و كثيرا ما نراها في الأفلام و هي انك إذا أيقظت شخصا يسير في أثناء نومه فإنه قد يتعرض لخطر الإصابة بسكتة قلبية أو قد يعاني من تلف في الدماغ أو قد يموت فجأة.
و إن كانت هذه مجرد خرافات فهذا لا يعني أنه بإمكانك إيقاظ شخص يسير أثناء نومه، فيجب عليك ألا توقظه إذا لم تكن مضطرا لذلك.
عند ايقاظك لشخص يسير في نومه فقد ينتج عنه رد فعل لا ارادي قد يتسبب له أو لغيره بالأذى، فتخيل انك ايقظته في مكان آخر غير غرفة نومه شعوره بالصدمة قد ينتج عنها رد فعل لا ارادي قد يتسبب في سقوطه من الدرج أو إيذاء الشخص الذي أيقظه، وينصح بأن تقوده نحو سريره بأمان و توقظه فقط إذا كنت مضطرا لذلك.
حالة السير النومي أكثر شيوعا عند الأطفال أكثر من البالغين، و في معظم الحالات يكون السير النومي غير ضارا على الإطلاق، لكن السير النومي عند البالغين يمكن أن يؤدي في حالات عارضة إلى أنماط سلوكية أكثر عنفا كما حدث مع أحد المرضى في عام 1987, و الذي انتهت قصته بطريقة مأساوية.
في الأحوال العادية لا يعتبر السير النومي أمرا خطيرا يستوجد التدخل الطبي، و لكن عندما يلاحظ المريض أو أحد المقربين له بأن الحالة تسوء و تشكل خطرا على صحة المريض عندها سيكون التدخل الطبي فعالا و مفيدا.
شكرا جزيلا لإهتمامكم... أتمنى أن يكون الموضوع قد نال إعجابكم
بالتوفيق للجميع