استراحة لغوية:
في جلسة لغوية ماتعة طرحت هذا السؤال على زملاء علماء أثبات قائلا:
ما الفرق بين ( أغدا ألقاك ) و( أألقاك غدا) ؟
في قصيدة الشاعر السوداني ( الهادي آدم) (الغد) بدأت القصيدة بقوله :
أغدا ألقاك ؟ يا خوف فؤادي من غدِ ... يا لشوقي واحتراقي في انتظار الموعد ...
طرحتُ سؤالا لطيفا على زملائنا عاشقي اللغة العربية ومدرسيها :
ما الفرق بين ( أغدا ألقاك ) و ( أألقاك غدا ) ؟
وكانت فذلكة( اختصار) الموضوع أن ثم فرقا بين التركيبين ، كيف ذلك ؟
قيل : (أغدا ألقاك) ، بتقديم لفظة ( غدا) على الفعل ( ألقاك) تعني أن اللقاء مؤكد لكن السؤال : متى سيكون ؟ أيكون غدا أم بعد غد أم متى سيكون ؟ لذا بدأ بالظرف ( غدا) ؛ تركيزا عليه ، يدلك على تأكد اللقاء قول الحبيب لنفسه : ( يا لشوقي واحتراقي في انتظار الموعد ) ، فاللقاء حتما سيكون ، لكن متى ؟ كما أن تقديم ( غدا) يرمق سماء اللهفة والشوق في انتظار الموعد وإن كان المحب يخشى من غده الموعود ...
لكن تقديم الفعل ( ألقاك) على الظرف ( غدا ) معناه السؤال عن اللقاء ، فهو غير مؤكد ، أفيلتقي الحبيبان أم أن الحبيبين جعلا اللقاء بظهر منهما ؟
فإذا كان ثم لقاء أفيكون غدا أم بعد غد ...؟
فالجملتان أوضحتا شعورين مختلفين ؛ ففي جملة ( أغدا ألقاك ) ثقة باللقاء لكن السؤال عن الوقت ... أما في جملة ( أألقاك غدا) فتعني أن هناك قلة ثقة بحدوث اللقاء ... وإن كان فمتى؟
قلت : والتقديم والتأخير ليسا خبط عشواء ، وإنما لهما القِدْح المعلى في التعبير عن مكنون المشاعر ، وبيان المواقف ...
وربما كان التركيز على المتقدم من الكلام آتيا من نفٙس عبدالقاهر عندما قال : " إذا قلت : أفعلتٙ ؟ فبدأت بالفعل كان الشك في الفعل نفسه ... وإذا قلت : أأنت فعلت ؟ : فبدأت بالاسم كان الشك في الفاعل وكان التردد فيه "
وهذا يعني أن وضع الكلمات في التركيب ليس هباء منثورا وإنما أوضاعها وجوه ناضرة من فقه العربية ... اللغة حياة ... ولحضراتكم التذوق .