السلام عليكم
سبق وطرحت المنشور الأساسي هنا
هذه قصة أخرى لسبب اتهام النابغة الذبياني
حيث تقول القصة :
كان النابغة مقرب من الملك النعمان ولكن المؤامرات لم تتوقف على النابغة، واستطاعت واحدة من هذه المؤامرات أن تضع إسفيناً في العلاقة بين النعمان والنابغة حتى أن النعمان غضب على النابغة وفكر بقتله..
وهذه هي الحكاية:
في إحدى الليالي الساهرة، وبفعل الخمرة التي دارت بالرؤوس وجعلت المستحيل ممكناً، مرت المتجردة وهي زوجة النعمان أمام الملك النعمان وندمائه" رفقائه "..
وعلى ما يبدو لم تكن المتجردة تتوقع أن ترى الملك وندماءه في ذلك الموقع من القصر.. وسقط نصيفها، والنصيف هو ما يغطي الرأس من خمار وغيره..
فقامت بتغطية وجهها بذراعها، وكانت سمينة بحيث كادت ذراعها أن تغطي كامل وجهها.. إن المرأة الجميلة في مقاييس ذلك الزمن لم تكن النحيفة بل كانت السمينة ذات الوزن الزائد
كان مع النعمان بالإضافة إلى النابغة شاعر آخر هو المنخّل بن عبيد بن عامر اليشكري والذي تصفه المراجع بأنه كان من أجمل العرب..
بينما كان الملك النعمان دميماً، قبيح المنظر، وراجت إشاعات في ذلك الزمن أن المنخّل كان محل إعجاب المتجردة زوجة النعمان.. وأن علاقة قامت بينهما، بل إن ابني النعمان من المتجردة كانا من المنخّل...
المشهد الذي رآه النعمان من سقوط خمار زوجته أمام ضيوفه لم يصبه بالغضب، ولكن على العكس تماماً جعله يضحك ويقول للنابغة:
... والله يا أبا ثمامة.. إن ما حدث يستحق منك قصيدة.. فضحك النابغة ووعد النعمان بأن ينشده قصيدة المتجردة في اليوم التالي..
وفي الليلة التالية، وبعد أن عملت الخمرة عملها في رؤوس الندماء، ألقى النابغة قصيدته المشهورة “المتجردة” ومنها :
سَقط النصيفُ ولم تُردْ إسقاطهُ ... فتناولته واتقتنا باليد
بمخضب رخص كأن بنانَهُ . ... عَنَمٌ يكاد من اللطافة يُعقَدُ
نظرت إليكَ بحاجةٍ لم تقضها ...نظر السقيم إلى وجوه العود
زعَمَ الهُمام بأن فاها باردٌ ... عذبٌ مقبله، شهيُّ المَوْردِ
زعم الهُمامُ ولم أذقهُ أنّهُ ... عذبٌ إذا ما ذقتهُ قلتَ: ازدَدِ
.. كانت قصيدة النابغة في المتجردة قمة البلاغة في الوصف، ولذلك أثارت حسد اليشكري المتهم بعلاقته الآثمة مع المتجردة فوجدها فرصة للنيل من النابغة..
فقال للنعمان في غياب النابغة:
*لا يستطيع أن يقول هذا الشعر إلا من جربه.
* ماذا تقول يا منخّل.. جرّبه؟
* نعم.. هذا شعر لا يصدر عن خيال بل عن تجربة.
وهكذا زرع اليشكري الشك في فكر النعمان الذي صحا فجأة ليجد نفسه محاصراً بفكرة خيانة النابغة له.. تغير وجهه، ولم يُخفِ غضبه على النابغة ..
وكان حاجبَ النعمان عصام بن شهبر الجرمي قد أدرك بعد أن سمع اليشكري يوغر صدر النعمان على النابغة
أن صديقه الحميم النابغة في خطر..
فذهب إليه وأبلغه بما حدث وأوصاه بعدم المجيء إلى مجلس النعمان، بل ونصحه بالفرار إلى مكان آمن، فالملك الآن في غضب شديد، وإلى أن يكتشف الحقيقة وبراءة النابغة من الخيانة فعليه أن يظل بعيداً.
وهكذا أنقذ عصامُ النابغةَ من القتل.. بينما لقي اليشكري مصرعه على يد الملك عمرو بن هند الذي تغزل اليشكري بابنته هند وقال فيها:
وأُحِبُّهـــــا وتُحِبُّنــــي ويُحــبُ ناقَتَهــا بَعيــري
وصدق قول القائل: من حفر حفرة لأخيه وقع فيها.
ابتعد النابغة عن النعمان بن المنذر مضطراً وذهب إلى الغساسنة في بلاد الشام، ونزل بكنف عمرو بن الحادث الأصفر فمدحه ومدح أخاه النعمان ونال منهما الكثير من الجوائز والهدايا القيمة، ولكنه لم يستطع أن يتنكر للنعمان، بل استمر يمدحه بقصائد اعتبرت من أجود شعره وسميت بالاعتذاريات
ومنها :
أتاني أبيتَ اللعْن أنك لُمتني وتلكَ التي أهتمُّ منها وأَنصبُ
فبتّ كأن العائدات فرشنني هُراساً به يعلى فراشي ويقشب
لئن كنتَ قد بُلغتَ عني وشايَة لمُبلغُك الواشي أغشُّ وأكذبُ...
بالتوفيق للجميع
بالتوفيق للجميع