السلام عليكم
كيف حالكم جميعا ؟ "أجيبوا "
في العصر الأُموي قصائد تُعرف بالنقائض
و هي قصائد تجمع الهجاء والفخر في الوقت ذاته، وتنظم على نسق القصيدة البادئة. كان كل من جرير والفرزدق يقوم بمدح نفسه مفاخراً بالشعر، ويعمد في الوقت ذاته إلى ذم الآخر، والعجب أن كلا الشاعرين من قبيلة تميم، ولكنهما من فخذين مختلفين ما أدّى إلى نشوء عداوة بينها. الفرزدق هو الأعلى نسبا وأرفع شأنا وحسبا ومالا وأخوالا وتاريخا وفروسية
أما جرير فهو من تميم ولكن تحديدا من كُلَيب , وكانوا من رُعاة الغنم والحمير
أما بالتحدث عن والده فقد كان بخيل عصره , وفيه من الألقاب السيئة كم وفير
ومن كثرة بخل والده أنه كان يمتص ضرع النعجة حتى لايسمع الجيران صوت الحلب فيأتوا طالبين بعض الحليب
وبالرغم من هذا فقد كان جرير يفخر بوالده
يقول الفرزدق : لسماع القصيدة
إنّ الذي سَمَكَ السّماءَ بَنى لَنَا **** بَيْتاً، دَعَائِمُهُ أعَزُّ وَأطْوَلُ
بَيْتاً بَنَاهُ لَنَا المَلِيكُ، ومَا بَنى **** حَكَمُ السّمَاءِ، فإنّهُ لا يُنْقَلُ
حُلَلُ المُلُوكِ لِبَاسُنَا في أهْلِنَا **** وَالسّابِغَاتِ إلى الوَغَى نَتَسَرْبَلُ
ا ابن المَرَاغَةِ أين خالك إننـي *** خالي حُبَيْشٌ ذو الفعال الأفضل
قول الفرزدق لجرير: يا ابن المَرَاغَةِ؛ فإنما يُعَيَّرُه بني كليب لأنهم أصحاب حمير
أحْلامُنَا تَزِنُ الجِبَالَ رَزَانَةً **** وَتَخَالُنَا جِنّاً، إذا مَا نَجْهَلُ
إنّ استرَاقَكَ يا جَرِيرُ قَصَائِدِي **** مِثْلُ ادِّعَاءِ سِوَى أبِيكَ تَنَقَّلُ
ضَرَبتْ عَليكَ العنكَبوتُ بنَسْجِها **** وَقَضَى عَلَيكَ بهِ الكِتابُ المُنْزلُ
إنّ الزّحَامَ لغَيرِكُمْ، فَتَحَيّنُوا **** وِرْدَ العَشِيّ، إلَيْهِ يَخْلُو المَنهَلُ
قال جرير للفرزدق يناقضه:
إِنَّ الَّذي سَمَكَ السَماءَ بَنـى لَنـا **** عِزَّا عَلاكَ فَما لَهُ مِـن مَنقَلِ
أعددْتُ للشعراءِ سُّماً ناقعاً **** فسقيـتُ آخرَهـم بكـأس الأولِ
إِنّي اِنصَبَبتُ مِنَ السَماءِ عَلَيــكُـمُ **** حَتّى اِختَطَفتُكَ يا فَرَزدَقُ مِـــــن عَــلِ
أَخزى الَّذي سَمَكَ السَماءَ مُجاشِعاً **** وَبَنى بِناءَكَ في الحَضيضِ الأَسفَلِ
أزْرَى بحِلْمِكُمُ الفِياشُ، فَأنتُمُ **** مثلُ الفَراشِ غشينَ نَارَ المُصْطَلِى
كانَ الفَرَزدَقُ إِذ يَعوذُ بِخالِـــــهِ *** * مِثلَ الذَليلِ يَعوذُ تَحتَ القَرمَلِ
وَاِفخَر بِضَبَّةَ إِنَّ أُمَّكَ مِنهُـــــمُ **** لَيسَ اِبنُ ضَبَّةَ بِالمُعَمِّ المُخوَلِ
ولقد بنيتَ أخس بيت يُبتَنَى **** فهدمتُ بيتكم بمثلَيْ يذبل
لقد كان جرير يحب سحق وإخراس الشعراء في عصره، باستخدام هذا الأسلوب، بالفعل يقال إنه استطاع القضاء على ثمانية شعراء محترمين، ولم يستطع الصمود والنجاة من ذمه المقذع سوى هذين الشاعرين الكبيرين: الفرزدق والأخطل...
وبقى السؤال : من الأشعَر ؟جرير أم الفرزدق؟
تبادل جرير والفرزدق الهجاء لأكثر من أربعين سنة، وكان كثير من الشعراء ينزلق في هذه المناظرة مؤيداً شاعراً على الآخر، وهذا ما حدث للراعي النميري حيث انحاز إلى الفرزدق على حساب جرير حيث قال:
يا صاحبي دنا الرواح فسيرا |
|
غلب الفرزدق في الهجاء جريرا |
فلم يمهله جرير كثيراً بل أعد له في اليوم التالي قصيدة تتكون من 97 بيتاً من الشعر، فأتى سوق المربد بعد أن احتل الناس مراكزهم وأسرج ناقته عند مجلس الفرزدق والراعي النميري وألقى قصيدته، ويطلق عليها" الدامغة"
هجى فيها " نُميرا " و"عرادة ابن عم النميري وهو من طلب منه قول البيت "و"الفرزدق" وهذه بعض أبياتها:
لسماع القصيدة
لَقَد خَزِيَ الفَرَزدَقُ في مَعَدٍّ فَأَمسى جَهدُ نُصرَتِهِ اِغتِيابا
فَما هِبتُ الفَرَزدَقَ قَد عَلِمتُم وَما حَقُّ اِبنِ بَروَعَ أَن يُهابا
أَتاني عَن عَرادَةَ قَولُ سوءٍ فَلا وَأَبي عَرادَةَ ما أصـــابا
أَنا البازي المُدِلُّ عَلى نُمَيرٍ أُتِحتُ مِنَ السَماءِ لَها اِنصِبابا
إِذا عَلِقَت مَخالِبُهُ بِقَــــــرنٍ أَصابَ القَلبَ أَو هَتَكَ الحِجابا
فَلا صَلّى الإِلَهُ عَلى نُمَيــرٍ وَلا سُقِيَت قُبورُهُمُ السَــــحابا
فَغُضَّ الطَرفَ إِنَّكَ مِن نُمَيرٍ فَلا كَعباً بَلَغتَ وَلا كِلابا
فأصبح البيت الأخير مضرب المثل , يُعَيَّر به كل نُميري, فانجلط النميري ومات
واستمر هجاؤهما لنصف قرن
والعجب أنه عند موت الفرزدق , رثاه جرير بأروع قصيدة
لَعَمري لَقَد أَشجى تَميماً وَهَدَّها عَلى نَكَباتِ الدَهرِ مَوتُ الفَرَزدَقِ
عَشِيَّةَ راحوا لِلفِراقِ بِنَعــــشِهِ إِلى جَدَثٍ في هُوَّةِ الأَرضِ مُعمَقِ
لَقَد غادَروا في اللَحدِ مَن كانَ يَنتَمي إِلى كُلِّ نَجمٍ في السَماءِ مُحَلِّـــــقِ
عِمادُ تَميمٍ كُلِّها وَلِسانُها وَناطِقُها البَذّاخُ في كُلِّ مَنطِقِ
توفي الجرير بعده ب6أشهر تقريبا , واقترن اسميهما ببعض إلى الحين
فما رأيكما بقصتهما ؟
بالتوفيق للجميع