السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك قصة جميلة قرأتها مؤخرا، أحببت مشاركتها معكم أتمنى أن تنال اعجابكم..
تبدأ قصتنا على عتبات مرصد هارفرد العريق و العتيق، عندما صعد البروفيسور ادوارد بيكيرنغ عتبات السلم يملئه القلق و الحيرة فقد كان للتو قد تعين مديرا لمرصد كلية هارفرد عام 1877م، احتار كثيرا في كيفية إدارة هذا المرصد الذي بدأ في التقادم، صحيح أن هذا المرصد القديم في إحدى الأيام كان مرصدا جديدا مفعم بالحيوية و حقق إنجازات رائعة، فقد رصد التليسكوب القمر الثامن لزحل و أكد وجود إحدى الحلقات الداخلية لذلك الكوكب العجيب و غيرها الكثير من الاكتشافات الرائعة، و لكن كل تلك الاكتشافات مضى عليها زمن طويل، و هنا تساءل البروفيسور ماذا يمكن أن يفعل فكل ما يملكه هو تليسكوب خردة و مجموعة من طلاب هارفرد الكسولين و الذي لا يرقون إلى طموح البروفسور و لا يعيرون أي اهتمام لتعليماته.
و في إحدى الأيام تسبب طلاب هارفرد في غضب ادوارد البروفيسور فصاح بهم قائلا:_ انه لو قام بتعيين عاملته المنزلية فإنها قادرة على القيام بالعمل بصورة أفضل من عبث طلاب هارفرد المتعجرفين!
و في اليوم التالي قام بتعيينها في المرصد أعلى ذلك التل كانت " وليمينا فليمنج " فتاة عادية جدا بظروف مألوفة فقد تركها زوجها فاضطرت للعمل كي توفر قوت يومها لها و لطفلها فعملت في منزل البروفيسور تكنس الغبار و تملئ محبرة اقلامه، و في لحظة الغضب العارمة تلك دعاها البروفيسور إلى المرصد لتعمل معه بسعر زهيد، فواصلت عملها المعتاد تكنس و تملئ الحبر في الأقلام و تتأكد من انه لا يلوث الأوراق، و لكن تلك الحال لم تدم طويلا، فقد تجرأت في احد الايام و عرضت على البروفيسور مساعدته في احد اعماله البسيطة، راقت له الفكرة كثيرا و بدأت في مساعدته تساعده في الحسابات، و و يوما بعد يوم تجرأت أكثر و التزمت زاوية مظلمة من زوايا أحد المكاتب في الطابق الثالث تقرأ الكتب و تتصفح المراجع و تقارن بين خرائط النجوم و تلك التي يرسمها البروفيسور و طلابه، و استمر الحال هكذا و في نهاية كل يوم كانت تقدم له كراسة الحسابات فيشرق وجهه بابتسامة رضا عندما يرى تنسيق و ترتيب الكراس و دقة الحسابات و كيف انها تحرص على أن تجعل الفرق واضحا بين الواحد و السبعة.
" تلك الفتاة التي كانت في البداية خادمته، و التي بدأت في تسلق سلم المعرفة لتصبح خير معين له و افضل من افضل طلابه "
و بنفس السعر الزهيد قام البروفسور بتعيين المزيد و المزيد من النساء العاملات و المدرسات، فقد كان واثقا أن قلة من الرجال بأي راتب مهما علا سيستطيعون فعل ما تفعله وليمينا فليمنج و التي لم تنتهي طموحها عند الوظيفة التي عينت لها بل اكتشفت أيضا سديم رأس الحصان ، و مارغريت هاروورد التي كانت أول امرأة فيما بعد تدير مرصدها الخاص، و انريتا سوان التي قامت بتطوير معادلة النجوم القياسية، و غيرهن الكثير كلهن عملن في مرصد هارفرد تحت رئاسة البروفيسور ادوارد
اطلق عليهن فيما بعد اسم
" Human computers "
كلمة computer تعني الشخص الذي يحسب
العبرة من القصة واضحة، فقد كان بإمكان وليمينا فليمنج عند دخولها المرصد ان تتخصص في كنس الغبار و تقتات على ذلك و تكمل ما تبقي من حياتها على هذا المنوال، و لكن الفرق هنا أنها أمسكت بالدفتر و قررت أن تتعلم فخطت خطوتها الأولى نحو صرح المعرفة
" نحن ندرك جيدا أن المرء بمجرد أن يقرر تسلق سلم المعرفة فلن يكون سقفه أقل من السماء "
دمتم سالمين