هل جربت مرة وأنت تتعلم أن كنت في كامل تركيزك وتستطيع الحصول على المعلومات فوراً ودون أي جهد، بل وبدرجة من الابتهاج تجعلك ترغب في مواصلة التحصيل حتى تنهار من شدة التعب؟ هل شعرت يوماً أنك بكامل التركيز الذهني لدرجة أنك ما إن تنظر للكلمة حتى تحفظها؟ هذه الحالة تسمى حالة التعلم المثلى في حين يسميها بعض العلماء “قمة الأداء” ويسميها البعض الآخر “حالة التدفق الذهني”. المشكلة أن هذه الحالة نادراً ما تأتي، قد تتمثل هذه الحالة في ورشة عمل أو كتاب لامع أو محاضرة مثيرة، بدا لك أنك تفهم كل كلمة يقولها المحاضر، بل تتوقع ما سينطق به من كلمات وتشعر بصفاء ذهن غير عادي
فكيف يمكن لك أن تستدعي هذه الحالة من الصفاء الذهني ولا تتركها للمصادفة؟
طرق للوصول إلى التدفق الذهني متى شئت
اجعل شرودك متعمداً
لا تستغرب، فنحن نقضي حوالي 50% من وقتنا شاردين في أحلام اليقظة، وفقاً لبعض تقديرات علماء النفس، فلماذا لا نستثمر هذا الشرود بشكل إيجابي ما دمنا لا نستطيع إلغاءه؟
لماذا يشرد الذهن؟
جميع المهام تتطلب قوة عقلية، لكن التركيز الكامل يستنزف جزءاً كبيراً من طاقة الدماغ، إذ يحتاج التركيز عمل شبكة من مناطق الدماغ بما فيها القشرة الأمامية المسؤولة عن مقاومة التشويش، التي تسيطر على دوافعنا الطبيعية للقيام بعمل أكثر متعة من المهمة التي نقوم بها، ويتطلب الحفاظ على أداء هذه الشبكة طاقة أكبر من مجموعة مناطق الدماغ التي تنشط عندما لا نفكر في شيء محدد، وهذا يؤدي للشعور بالإنهاك ما يجعل العقل يبدأ بالشرود
كيف تستفيد من طاقة الشرود؟
يقول باحثو علم النفس إن شرود الذهن المتعمد والمخطط يمكن أن يحسّن قدرتك على الوصول إلى التدفق الذهني والبقاء نشطاً، وذلك على عكس أحلام اليقظة العرضية التي قد يكون لها تأثير معاكس
يقول بول سيلي، عالم النفس في جامعة هارفارد: “إذا كانت المهمة سهلة، فإن الشرود الذهني المتعمد لن يؤثر على الأداء على الأرجح، لكن يجب أن يتيح للناس فرصة لجني فوائد شرود الذهن، مثل القدرة على حل المشاكل والتخطيط
وهذا يعني أن عليك تحويل الشرود من طاقة سلبية تعيق قيامك بالمهمة إلى طاقة إيجابية تزيد من تركيزك على مهمتك تلك
يقول سيلي: “فكر في شيء لا علاقة له بالمهمة التي تريد إنجازها، مثل حل مشكلة أخرى تدور في خلدك، ثم عد إلى مهمتك الأساسية
خذ حاجتك من النوم
ينصح العلماء دائماً بالتمتع بقسط كافٍ من النوم يومياً، فالحرمان من النوم سيؤثر حتماً على نشاطك الذهني مهما تناولت من المنبهات. كما يؤثر هذا الحرمان على بعض الوظائف المعرفية كالذاكرة والانتباه
ويحدد أطباء الأعصاب ساعات النوم التي يجب أن تحصل عليها بثماني ساعات يومياً، فإن لم تتمكن من الحصول عليها ليلاً بشكلٍ متصل، فلا بد من قيلولة قصيرة نهاراً لتكمل ما تحتاجه من ساعات النوم
وقد بينت الدراسات أن قيلولة قصيرة أثناء النهار، تشحن ذهنك بالطاقة الكافية للوصول إلى التدفق الذهني وأداء مهامك على أكمل وجه
أما الحرمان من النوم الكافي لفترة قصيرة وبشكلٍ غير متكرر، فقد لا يؤدي إلى نتائج سلبية واضحة، بينما تظهر هذه النتائج واضحة على الأداء والمزاج حين يتكرر لفتراتٍ أطول وبشكلٍ متتابع
مارس التأمل بين الفينة والأخرى
يؤكِّد الكثير من رجال الأعمال والإعلاميين الأمريكيين الناجحين، مثل أوبرا وينفري، وآريانا هافنغتون، وجيف وينر، على فاعلية التأمل وأهميته في إرخاء العقل، وزيادة التركيز، وهناك ما يؤكد صحة ما ذهبوا إليه
فقد أكّدت الدراسات الحديثة أن ممارستك التأمل مدة عشر دقائق يومياً، تحد من مشاعر التوتر والقلق لديك، مما يسمح لك بمزيد من التركيز
حيث يقول منجران: “التنبيه الذهني كافٍ للتغلب على القلق والتوتر، وبالنسبة للأشخاص الذين يعانون التوتر فإن الأفكار المتكرِّرة وعدم التركيز، يمكن أن يؤثرا سلباً على قدرتهم على التعلم وإكمال الواجبات، أو حتى تأدية الوظائف أداءً آمناً
ويدعم الدكتور حمدي أبو سنة -أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس- هذه الدراسات ويقول: “لا يمكن الوصول إلى التنبيه الذهني إلا من خلال تصفية الذهن عبر ممارسة تمارين التأمل، بشرط أن يكون تأملاً إيجابيّاً يعتمد على التداعي التسلسلي القائم على البناء على الإيجابيات
ويزداد الأثر الإيجابي للتأمل عند ممارسته في أحضان الطبيعة، مرافقاً لتمارين التنفس العميق الذي يزيد من كمية الأكسجين التي يحصل عليها الدماغ
ابتعد عن المشتتات
من أكثر المشتتات في الوقت الراهن هي مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تشير إحدى الإحصائيات أنه وخلال دقيقة واحدة فقط يُنشَر على الفيسبوك حوالي 3.3 مليون منشور، ويُرفَع على إنستغرام 65,972 صورة، ويُرسَل على الواتس آب 29 مليون رسالة، كما يُكتَب على تويتر حوالي 448,800 تغريدة. هذه الأرقام يمكنها تلخيص مدى انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وانشغال الناس بها لدرجة الإدمان
احرص على شرب الماء بكميات كافية
يعد الإكثار من شرب الماء والسوائل عموماً من أهم العوامل التي تساعد على التركيز وتقليص حالات عدم الانتباه، فقد كشفت دراسة علمية أجرتها مجلة التغذية الأمريكية عام 2012، أن الجفاف في الجسم مهما كان بسيطاً، قد يؤدي إلى قلة التركيز، رغم أنه لا يؤدي إلى الشعور الملحوظ بالعطش
لذلك ينصح الخبراء بالإكثار من شرب المياه والسوائل لزيادة التركيز، وفي هذا السياق، تحدد الأكاديمية الوطنية الأمريكية للطب الحاجة اليومية من الماء والسوائل للرجال بحوالي 12.5 كوباً يومياً وللنساء حوالي تسعة أكواب يومياً
ومن الجدير بالذكر أن قلة الماء تسبب إضافة لانخفاض مستويات الطاقة والنشاط لديك، إلى ما يسمى بالضباب العقلي، الذي يتجلى بانخفاض مستوى الذاكرة والنعاس العقلي وضعف التركيز، بينما شرب كميات كافية يبقيك بحالة صفاءٍ ذهني وتركيزٍ عالٍ حتى على المدى الطويل
مارس الرياضة باستمرار
لا يخفى عليك أن ممارسة الرياضة لا تقتصر فوائدها على الناحية الجسدية والنفسية، وإنما تتجاوزها إلى الناحية العقلية. فهي تساعد على زيادة التركيز والإبداع
لذلك، كلما شعرت بضعفٍ في التركيز، تحرك من مكانك ومارس أي نوع من أنواع الحركة، رتّب مكتبك، مارس المشي، وإن استطعت أن تنوِّع في الحركات فلا تتردد في ذلك
كثيرون هم المشاهير الذين يدركون هذه الحقيقة ويمارسون الرياضة بشكلٍ منتظم، ليزيدوا من التدفق الذهني وإبداعهم، من هؤلاء المشاهير مارك زوكربيرغ، صاحب أهم موقع للتواصل الاجتماعي “الفيسبوك”، ولا يقتصر إيمان مارك بأهمية الرياضة على ممارسته الشخصية لها، بل استطاع أن يوظفها ليحصل على إنجازٍ أكبر من موظفيه، فقد أنشأ في عام 2015 حلقة من نصف ميل على سطح مقر فيسبوك بكاليفورنيا، كي يتمكن العاملون من تنظيم اجتماعات وهم يمشون
بالتوفيق، وأراك في القمة
#علي_محمد_رسلان_باللغة_العربية