السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
مرحبا أعزائي أتمنى أن تكونوا بخير...
و أتمنى لكم صياما مقبولا و إفطارا شهيا
موضوعنا اليوم عن احدى الأبيات الشعرية المشهورة... أتمنى أن تنال إعجابكم...
اشتهر بهذه الأبيات الشاعر (عمرو بن معدي كرب) الذي عاش في الفترة بين عامي ( 525 _ 642 م )... يقول الشاعر في بعض أبياته:_
ألا غدرت بنو أعلى قديما ** و أنعم أنها ودق المزاد
و من يشرب بماء العبل يغدر ** على ما كان من حمى وراد
و كنتم اعبدا أولاد غيل ** بني آمرن على الفساد
لقد اسمعت لو ناديت حيا ** و لكن لا حياة لمن تنادي
و لو نار نفخت بها أضاءت ** و لكن أنت تنفخ في رمادي
و تضرب الأبيات مثلا فيمن لا فائدة فيه و لا رجاء و مهما حاولت و بذلت في نصحه لم يستجب...
و على غرار تلك الأبيات يروى أنه كان بالمدينة رجل كثير المال و كان له ولد وحيد ماتت امه و هو صغير فأغدق عليه والده بالمال و الدلال حتى أفسده... كان الأب رجلا كريما كثير الصدقة كثير العطاء و كان يأتيه كل صباح رجل فقير يسأله الصدقة فيعطيه كسرات من خبز فطوره فيجلس إلى جواره حتى يأكل ثم ينصرف... و ظل الأمر على هذه الحال سنوات طويلة حتى اشتد عليه المرض فخاف أن يبدد الابن كل ما ترك فحاول نصحه لكن دون جدوى فقد كان رفقاء السوء يحيطون به من كل حدب و صوب و يصمون اذنه و يعمون عينيه لأنهم منتفعون مما هو فيه... فلما اقترب الأجل استدعى الأب اخلص خدمه و أمرهم أن يبنوا سقفا جديدا لمجلس القصر تحت السقف القديم و يصنعوا ما بين السقفين مخزنا يضعون فيه كمية كبيرة من الذهب أمرهم أن يصنعوا في السقف بوابة و يضعون بها سلسلة حديدية إذا تم سحبها للأسفل بقوة تنفتح باتجاه الأرض... فعل الخدم ما طلبه منهم و ابقوا الأمر سرا عن الابن... قبل الرحيل استدعى الأب ولده مرة اخيرة و اعاد عليه النصح و الوعظ... لكن دون فائدة...
قال له:_ بني... إذا مت و ضاع منك كل شئ و غلقت الأبواب في وجهك فعدني ألا تبيع هذا القصر تحت أي ظرف.. و إن ساءت الأحوال فلم تطق لها تحملا و فكرت يوما في الإنتحار ففي المجلس الكبير سلسلة معلقة اشنق بها نفسك و مت في قصرك ميتة سهلة مستورة.
لم يأخذ الابن كلام ابيه على محمل الجد و ظل رفقاء السوء ينفقون من ماله حتى افنوه... فبيعت المحلات و البساتين و القصور... و لم يبقى له سوى قصر ابيه... فباع الأثاث كله و انفض الرفاق من حوله و كرهوا صحبته حتى أنه كلما ذهب إلى أحدهم أنكروا وجوده و رفضوا لقاءه... فصدق فيهم قول الإمام الشافعي رحمه الله...
قال:_
رأيت الناس قد مالوا ** إلى من عنده مال
و من لا عنده مال ** فعنه الناس قد مالوا
رأيت الناس منفضه ** إلى من عنده فضة
و من لا عنده فضة ** فعنه الناس منفضة
ساءت أحوال الشاب و لم يعد عنده ما يقتات به حتى ملابسه تمزقت نعله لم يعد صالحا للسير... كل ما كان يجده كسرات من الخبز و بعض من الماء يحضرها له المسكين الذي كان يعطف عليه أبوه في حياته... ذاقت به السبل أغلقت في وجهه الطرق و ذاقت به الأرض بما رحبت فقرر أن يضع حدا لمأساته... قرر أن ينتحر... هنا تذكر كلام أبيه و تلك السلسلة المتدلية من سقف مجلس القصر احضر صندوقا ووقف عليه ربط السلسلة حول عنقه أزاح بإحدى قدميه الصندوق... ليسقط مشنوقا... فيظن أنه يموت ميتة سهلة و يظن أنه سيرتاح فيها من الدنيا و كدرها... لكنه لم يمت... لقد فتحت البوابة السرية التي بين السقفين حينما انجذبت السلسة لأسفل و سقطت كميات الذهب الكبيرة على رأس الفتى و فاضت حوله فرح الشاب فرحا شديدا لأن الله فرج كربه... ذهب إلى السوق و اشترى طعاما و لباسا ثم جاء بالرجل الفقير فجعله رفيقا له يقاسمه الطعام و اللباس.
بدأ يعمل في التجارة و استرد أموال أبيه و بساتينه و خدمه... لما سمع رفاق السوء بتبدل حاله و ما صار فيه من عز و غنى أرادوا الوصل و الود القديم...
فأعدوا مأدوبة فاخرة و دعوه إليها فلبى دعوتهم و دخل و لكنه لم يأكل من الطعام... ما كان منه إلا أن أمسك كم ثوبه و أخذ يجعله في كل صنف بعدها أراد الإنصراف... استغرب الرفاق عجيب صنعه و سألوه ماذا تصنع؟
قال لهم:_ " أنتم ما دعوتموني أنا... أنتم دعوتم أموالي و ملابسي و تلك ملابسي قد لبت دعوتكم... أما أنا فلا و ألف لا " و انصرف عنهم.
أخبروني رأيكم بالقصة؟ و هل أعجبتكم؟
بالتوفيق لكم جميعا أعزائي...
دمتم في حفظ الله و رعايته