السلام عليكم
هكذا تبدوا بعد أن أحدثت تغييرات طفيفة , فأيهما أفضل ؟:
ما الفضل إلا لأهل العلم إنهــم *** على الهدى لمن استهـــدى أدلاء
وقيمة المرء ما قد كان يحسنــــــــه *** والجاهلون لأهل العلم أعـــداء
ففز بعلم ولا تطلب به بـــــــــدلا *** فالناس موتى وأهل العلم أحياء
لعل هذه الأبيات المنحوتة في التاريخ بيد سيدنا علي بن أبي طالب – كرَّم الله وجهه- أنسب ما يمكن أن نستهل به حديثنا فالعِلم نورٌ وُجِدَ في الكون ليرينا الطريق في كل المجالات , و لنهتديَ به إلى تعاليم ديننا الحنيف الذي أمرنا بطلب العلم في أول آية نزلت : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ )العلق: 1, وعُنيَ بالعِلم والعلماء , في قوله تعالى: ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ) الزمر: 9.
ما هذا الدليل إلا غيض من فيض عن قيمة العلم والعلماء في ديننا الإسلامي , وعلى قول الأستاذ: نجيب محفوظ: " ينبغي أن تذكر أن لكل عصر أنبياءه، وأن أنبياء هذا العصر هم العلماء ".
لذا فنحن هنا اليوم بصدَد الحديث عن عالم يُعتَبر من أهمِّ العلماء الذين عرفتهم البشرية يوماً, مؤسس لعِلم جديدٍ كليا إن صّحَّ التعبير ، وكل أمَّةٍ تحاول أن تنسبه لها, عالمٌ تتناقض الأخبار عن أصلِه، إلا أنه أصلُ الكيمياء الحديث , إنه أبو الكيمياء جابر بن حيان. ولد جابر بن حيان على أشهر الروايات في سنة 101هـ 721/م من أصول عربية , وقد استلهَم اهتماماته حول الطبيعة منذ صغره , حيث كان والده عطَّارًا , فاكتشف الأعشاب بما فيها و من كل نواحيها وكذا تركيب الأدوية .
في سن الثلاثين انتقل إلى الكوفة و مارسَ الطِّبَّ و الصيدلة , ليلتقي بالإمام جعفر الصادق الذي منحه كتبا كانت نقطة انطلاقه في علم الكيمياء, واِستَقَى عِلمَ الكيمياء و أُسُسَه على يديه ووضع أُسُسًا له أخرجت العالم من ظلامه الذي يقتضي بأنَّ المعادن الرخيصة بإمكانها التحول لنفيسة ! وهذا بالتغيير في نسبة العناصر الأربعة : التراب , الماء, الهواء, النار .... أرفقَ بمعمله بالعطارةِ معملاً خاصا بالكيمياء , اختَرَعَ به أدوات تسهِّل عليه تجاربه , و أحدث قفزة في علم الكيمياء ألا وهي اختراع آلة لتقطير المواد السائلة , إضافة إلى الميزان و غيرها , فظهر بأسلوبه المنفرد وهو أسلوب المنهجية العلمية السليمة بإدخال عنصرَ التجربةِ و المعمل في الكيمياء لأول مرة في التاريخ .
وسطَّرَ هذا العِلمَ من جديد فعرَّفَه بأنه الفرع من علوم الطبيعة الذي يبحث في خواصّ المعادن والمواد النباتية والحيوانية و كيفية إكسابها خواصا جديدة . من خلال تجاربه و إنجازاته تمكن من تحضير مختلف الأحماض , واكتشف حمضيّ الهيدروكلوريك أو روح الملح HCl؛و حمض النتريك (HNO3), و كذا اكتشافه "الصودا الكاوية" أو القطرون (NaOH), كما استخدمَ ثاني أوكسيد المنغنيز في صناعة الزجاج وأحدثَ تطورا كبيرا في فن العمارة باكتشافه لطريقة صهر المعادن وجعلها قابلة للكتابة و الطلي ,إضافةً إلى اختراعه لمادة عندما يُطلًى بها القماش يصبح مضادا للماء , و حبر مشِعّ يسهل القراءة في الظلام ؛ وقد كانت مخطوطاته وكتبه أعمدةً قام عليها علم الكيمياء في العالم أجْمَع وأشهر كتبه : كتاب الخواص الكبير الموجود في المتحف البريطاني حاليا ؛ وكذا كتابه " السموم و دفع مضارها" الذي يعتبر همزة وصل بين الكيمياء و الطب .
ارتبطَ علم الكيمياء في أذهان الناس بجابر بن حيان حتى سُمِّيَ " عِلم جابر " , وهل اكتفى جابر بتأسيس هذا العِلم وحده ؟! بالطبع لا , فقد كان من أهم فلاسفة العرب و المسلمين , إضافة لدراسة الحيوانات وتصنيفها إلى: طائرة , زاحفة , سابحة , ماشية ، ومن العلوم الأخرى برعَ في : الفلك والهندسة وعلم المعادن والطب والصيدلة .
وقد ترك لنا هذه الخلاصة : " من كان دؤوبـاً كان عالِماً حقاً، ومن لم يكن دؤوباً لم يكن عالماً، وحسبُك بالدّربة في جميع الصنائع، إنّ الصانع الجريء يُتقِن، وغير الجريء يُعطِّل " ؛مقولة للعالِم الجريء الذي بجراءته تمكن من تسطير اسمه بأحرف من ذهب بين صفحات التاريخ.
بالتوفيق للجميع 