إن أرض جزيرة العرب كانت منبتا للعربية منذ القدم ، وموئلا للقرآن منذ هلَّ القرآن بنوره علي الأرض .
فما أهمية تلك اللغة التي بذل لها أسلافنا ما بذلوا ، وجاهدوا من أجل حفظها وبقائها ما جاهدوا ، وتغني بجمالها الشعراء وعشقها الأدباء؟
ما قيمة تلك اللغة التي كلما تحدثت لصديق من دولة عربية أخري تحني اللهجات جانبا وتتكلم بها ؟
ما قيمة تلك اللغة التي عشقها دارسوها من العرب والعجم ؟
____________________________
في الحقيقة....
لغتنا يا أصدقاء ليست بدعا في حفظ كيان الأمم ، وجمع شمل الشعوب ..
وإنما هو شأن اللغات جميعا..
فهذه ألمانيا كانت إلي القرن التاسع عشر مقاطعات متفرقة متنافرة
وظل الأمر كذلك حتي شعر قادة الفكر في ألمانيا بقدرة اللغة علي جمع الأشتات إلي الأشتات وتوحيد الأصوات مع الأصوات .
فهب هردر في النصف الثاني من القرن الثامن عشر ينادي : بأن اللغة هي الأساس الذي ترسي عليه دعائم الوحدة ، والنواه التي تتجمع حولها الشعوب .
ولاقت دعوته هذه هوى من نفوس أدباء الحركة الإبداعية في ألمانيا ،
فعكفوا على تراثهم القديم أيام كانت أمتهم أمة واحدة .. واتخذوا من مآثر أسلافهم مادة خصبة لأدبهم ، ومن بطولات قادتهم موضوعات مثيرة لشعرهم ...
ونسجوا حول ذلك قصصا رائعة هوت إليها أفئدة الشباب ، وقصائد بارعة ملكت ألباب الفتيان والفتيات ...
فشعر الأبناء بمفاخر الآباء وتجمعت العواطف على حب الوطن الكبير .
وقام في هذه المقاطعات ، مجتمع « ألماني » موحد المشاعر والغايات ، متطلع إلى الإنضواء تحت لواء واحد ،مما مهد الطريق أمام بشمارك لتعبئة الشعور القومي ودفع الأمة الألمانية نحو الوحدة الكبري
__________________________
على أن هناك مثلا أعظم من أعظم من المثل السابق في الإبانة عن أثر اللغة في إحياء الأمم ، وحفظها من التمزق والضياع ...
ذلكم المثل ، هو إيرلندا ، التي رزحت تحت وطأة الاحتلال « الإنكليزي » من أوائل القرن الثاني عشر الميلادي ، وذاقت من ويلاته ما لم يذقه مستعمَر من مستعمِر قط .
فلقد أعمل كرومويل السيف في رقاب الإيرلنديين ، وجمع عشرين ألفا من شبابهم وباعهم عبيدا في أمريكا ، ونفى أربعين ألفا من رجالهم خارج البلاد
وسعى هو ومن تلاه في الحكم لمحو شخصية أيرلندا ، بالقضاء على لغتها حتى تم الإنكليز ما أرادوا واندثرت اللغة الأيرلندية .
وغدت شيئا أثريا لا يعرفه إلا حفنة من الرجال ، وأدمجت أيرلندا في الكيان البريطاني الكبير ، وأصبح لها نواب يمثلونها في مجلس العموم .
ولما تنبة الشعور الوطني لدى بعض رجالها ، وحاولوا أن يبعثوا أمتهم من جديد ، وأن يحققوا لها شخصيتها المميزة ، وأن يفصلوها عن الشعب البريطاني
رأوا أن منطق الحياة لا يقبل منهم ذلك ، ما دامت لغتهم هي اللغة الإنكليزية ... وما دام شعبهم يجهل لغته التي تميز شخصيته وتبرز كيانه ، وتحقق وحدته .
وأسعفهم القدر بمعلم يتقن لغة الآباء والأجداد ؛ دفعه شعوره بواجبه إلى وضع الكتب السهلة التي تيسر لمواطنيه تعلم اللغة ، فهبوا يساعدونه على نشرها ، ويؤازرونه في تعليمها حتى استعادت مكانتها من ألسنة المواطنين ، وعمت بينهم وشاعت ... وكانث عاملا قويا في إحياء أمتهم واستقلال بلادهم ، واستعادة كيانهم .
ولما تم لأيرلندا ذلك ، قدر المواطنون للمعلم العظيم يده عليهم ، وأكبروا أثره في تحرير بلادهم ، فكافأوه على صنيعه بأن انتخبوه ليكون أول رئيس لجمهورية إيرلندا الحرة ، ذلك المعلم هو الرئيس ديفاليرا .
هذه أمثلة علي تأثير اللغة في حفظ كيان الأمم
فإذا عرفنا واستوعبنا أهمية لغتنا وروعتها وحافظنا عليها صرنا كيانا واحدا لا يتفرق ولا يتمزق